بحث عن العلاج النفسي عند الاسلام
بحث شامل عن العلاج النفسي في الاسلام واليكم التفاصيل
غالبا ما تتمثل الصراعات النفسية في التناقض بين قوى الخير والشر، وبين الغرائز المحرمات، من ذلك الشعور بالذنب والخطأ الذي كثيرا ما يتسبب في القلق والفزع والعدوان واضطراب الطبع والسلوك . بيد أن أصول الشخصية الأساسية في البيئة الإسلامية لا تزال ترتكز على القيم الحضارية المنبثقة من تعاليم الإسلام لأن هذه القيم تبقى من العناصر الرئيسية الواقية من المرض النفسي والمخففة لوطأته عند حدوثه. وقد أكد الكثير من علماء الإسلام على مفعول تعاليم الدين بقصد ترضية النفس واطمئنانها بواسطة التوبة والاستبصار واكتساب الاتجاهات الجديدة الفاضلة،
وأن شخصية المسلم ترتكز على الإيمان بالقضاء والقدر والبر والتقوى وعلى مسئولية الاختيار وطلب العلم والصدق والتسامح والأمانة والتعاون والقناعة والصبر والاحتمال والقوة والصحة الخ، وكل هذه الخصال تشجع على إنماء الشخصية واكتمالها بقصد السعادة النفسية الشاملة. ومن هنا يتجلى مفعول العلاجات التقليدية في البيئة الإسلامية، الأمر الذي يفرض على الأطباء المحدثين أن يأخذوا هذه الطرق بعين الاعتبار ويدرسونها كي تستفيد ممارستهم الخاصة بتعاليمها وبذلك يحصل التنسيق والتكامل المنشود ويأتي هذا المقالة بعديد من الآيات البينات والقيم الأخلاقية المستخلصة من الحديث النبوي ومن أقوال أعلام الفلاسفة والعلماء المسلمين، في هذا الصدد. النص إن الصحة النفسية تهدف إلى تنمية الفرد وجعله قادرا على نشاط مثمر وربط علاقات سوية مع الغير مع التمتع بإرادة ثابتة وعقيدة مثلى ليعيش في سلام وسعادة مع نفسه وذويه والمجتمع بصفة عامة. وإن الصراعات الباطنية التي يخوضها المرء طيلة حياته من شأنها أن تتسبب في اضطرابات نفسية شديدة إن لم يقع حلها بصفة مرضية وأخطر الصراعات تتمثل في الأنانية المفرطة والرغبات الملحة لتحقيق الشهوات مهما كانت الطرق والحيل المستعملة لهذا الغرض. وقد أجمع الكثير من العلماء على أن الخطأ هو في الذنب والألم الذي يشربه الإنسان نتيجة ما ارتكبه من أعمال سيئة وقذرة. وتعتبر هذه لعقدة كعنصر أساسي لتكوين العصابات يعني الأمراض العصبية باعتبار أن مظاهر سوء التوافق النفسي تمثل أمراض الضمير بل هي حيلة دفاعية للهروب من تأنيب الضمير. ومن أهم الأعراض النفسية المرضية مشاعر القلق والحصر والشعور بالذنب والخطأ أو بالعكس العدوان الظلم والسلوك المضطرب، والمنحرف الخارج عن الإقليم والمقاييس الاجتماعية. ومن هنا نفهم الروابط والفوارق التي تقوم بين القيم الدينية والتحاليل النفسية الفرودية مثلا حيث أن النظرية الفرويدية يمكن أن تؤدي إلى سيطرة الغرائز الجنسية في كل الحالات، ولربما تشجع على ذلك في مفهومها السطحي الشائع بينما تحث القيم الدينية على التحكم في الدوافع والتغلب عليها بسيطرة النفس الفاضلة الضمير وهو الأنا الأعلى عند فرويد . ونفهم إذن كيف لا يسعنا في مجتمعنا العربي الإسلامي وقد أثبتت ذلك تجربتنا الطويلة إلا أن نتماشى مع هذه القيم الدينية الأصيلة التي لا تزال قائمة في النفوس بشكل من الأشكال، وتعالج عادة الفرد من الصراع الذي يتخبط فيه انطلاقا من هذه المقاييس. وكثيرا ما يكون المريض يفهم خطابنا هذا ولا يفهم كلاما آخر مثل الكلام الغامض المعقد الذي نستخرجه من بعض النظريات شبه العلمية الغربية المصدر والتي لا تنفك باقية يوما بعد يوم عرضة إلى الانتقاد والمراجعة في المجتمع الغربي نفسه. زد على ذلك كشرط تقني أساسي للتشخيص والعلاج، ضرورة فهم المريض من الداخل والتماشي معه يعني معاعتقاداته وقيمه وإجمالا مع قواعد شخصيته الأساسية وهو السبيل الأفضل لمعاينته الدقيقة ولتركيز تشخيص مرضه بصفة قويمة ثابتة. هذا وإن الدين الإسلامي كثيرا ما يكون وسيلة لتحقيق الإيمان والسلام النفسي وهو إيمان وأخلاق وعمل صالح وهو الطريق إلى سيطرة العقل وإلى المحبة والسبيل القويم إلى القناعة والارتياح والطمأنينة والسعادة والسلام، وقد أكدت التجربة مزج خلال ممارستنا للأمراض النفسية بتونس منذ ما يقرب من ثلاثين ستة أن اللجوء إلى هذه المقاييس يصبح أمرا حتميا وعملا ناجعا في أغلب الحالات، وذلك بالرغم من تطور المجتمع التونسي السريع وابتعاد بعض الأوساط فيه عن القيم الدينية الأصيلة. وقد كتب وحلل وألف الكثير من الأطباء والعلماء المسلمين في مجال السعادة النفسية، وإن كل المذاهب الفلسفية الإسلامية التي تعرضت إلى فهم الروح وتحليل جوهرها وماهيتها قد أتت كما هو معلوم بتعاليم قيمة لتحقيق الاطمئنان للأفراد والجماعات، عبر الزمان والمكان. ولنذكر إجمالا هنا تعاليم الخلفاء الراشدين ورجال التصوف وأعلام الفلسفة والفقه والمنطق الإسلامي الذين أصبحت تحاليلهم قدوة للنهضة الفكرية بالغرب أمثال الكندي والفارابي والرازي وابن سينا والغزالي وابن شد وابن النفيس وإسماعيل الجرجاني وابن رشد وابن العربي وابن الجزار ومحمد الصقلي وغيرهم . ا- طريقة العلاج الديني: يضع البعض " العلاج الديني " الذي يقوم على مبادىء روحية سماوية مقابل " العلاج النفسي " الدنيوي الذي يرتكز على السعادة في دار الدنيا بكل جوانبها المادية والأدبية ويقصد بذلك طرق العلاج التي تقوم على أساليب ومفاهيم وضعها البشر ولو كانت نفسية المصدر والأهداف. لكن الدين يوفر أحيانا الأمن الذي قد لا تستطيع أساليب علم النفس المعاصر أن توفره ، ومع ذلك ففي طرق العلاج النفسي الدنيوي نجد بعض أعلامه يؤمنون بأن الدين عامل هام في إعادة الطمأنينة إلى النفس. فقد أكد كارل يونج أهمية الدين وضرورة إعادة فرص الإيمان والرجاء لدى المريض، وأكد ستيكل أهمية تدعيم الذات الأخلاقية على هذا الأساس. ومن ذلك يصبح الحلاج النفسي الديني أسلوب توجيه وإرشاد وتربية وتعليم. ويقوم على معرفة الفرد لنفسه حسب المبادىء الروحية والأخلاقية العقائدية. ويمكن أن يمارس العلاج الديني كل من المعالج النفسي والطبيب النفساني وكذلك المربي وحتى رجل الدين على شرط أن يكون هؤلاء على دراية بأمر المصاب ويقع إرشادهم وتطلب مشاركتهم في هذا المجال من طرف الطبيب النفساني الحديث، وهذا الأمر يجري العمل به مثلا في عديد من المصحات النفسية التي تعالج بأوروبا محاولات الانتحار مثل مصحة فيينا المختصة بحالات الطوارىء الانتحارية، ذلك لأن العلاج النفسي الديني ككل العلاجات النفسية بمثابة عملية يشترك فيها المعالج والمريض معا ولمجلل تيسير العلاج الديني على أساس: أ) الاعتراف،: وهو يتضمن شكوى النفس طلبا للغفران- وكثيرا ما يستعمل الفرد الوسائل الدفاعية اللاشعورية مثل الإنكار والإسقاط والتحويل أو التبرير وغيرها كي يخفف التوتر الذي ربما ينتج عن الشعور بالذنب والخطأ، وعلى المعالج أن يحلل ذلك بكل دراية في الوقت المناسب وبالصيغة المناسبة. لذا فاعتراف المريض يزيل مشاعر الخطيئة والإثم ويخفف من عذاب الضمير فيطهر النفس المضطربة ويعيد إليها طمأنينتها. ولذلك يجب على المعالج مساعدة المريض على الاعتراف بخطاياه وتفريغ ما بنفسه من مشاعر الإثم المهددة، على أن يتقبل المعالج ذلك في حياد، ويتبع الاعتراف الرجوع إلى الحق والفضيلة والتوازن النفسي السليم مع الذات . ب) التوبة: وهي تناشد المغفرة وتمثل أمل المخطىء الذي تحرر من ذنوبه فيشعر الفرد بعدها بالتفريغ النفسي والانفراج. والتوبة كما يقول الغزالي (في إحياء علوم الدين) لها أركان ثلاثة: علم وحال وفعل. فالعلم هر معرفة ضرر الذنب المخالف لأمر الله، والحال هو الشعور بالذنب، والفعل هو ترك الذنب والنزوع نحو فعل الخير . والمعروف أن حجة الإسلام الإمام الغزالي يعتبر من رواد مؤسسي علم النفس الإسلامي ويقول الله عز وجل: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } . ويقول رسول الله r : " التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ". ومن هنا نفهم مدى أهمية الالتجاء إلى هذه المفاهيم كي يعالج العصابي " المسلم " من صراعاته والمكتئب من يأسه وتذنيب ذاته وكذلك السيكوباتي من تكرار أعماله العدوانية الشنيعة وذنوبه المتكررة. ج) الاستبصار: ومعناه الوصول بالمريض إلى فهم أسباب شقائه ومشكلاته النفسية وإدراك الدوافع التي أدت به إلى حالته المضطربة وفهم ما بنفسه من خير وشر، وتقبل المفاهيم الجديدة مستقبلا بصدر رحب ، ويعني هذا نمو الذات البصيرة. وقال.تالى في هذا الصدد: { بل الإنسان على نفسه بصيرة } . وهذه الطريقة المثلى كثيرا ما تستعمل في عديد من مظاهر العلاجات النفسية المعاصرة بما فيه التحليل النفسي الفرويدي أو طريقة كارل روجيرس الخ. د) اكتساب اتجاهات وقيم جديدة: ومن خلال ذلك يتم تقبل الذات وتقبل الآخرين والقدرة على تحمل المسئولية وعلى تكوين علاقات اجتماعية مبنية على الثقة المتبادلة والقدرة على التضحية وخدمة الآخرين، وكذلك اتخاذ أهداف واقعية وإيجابية والحياة مثل القدرة على الصمود والعمل المثمر والإنتاج. وهكذا تتم تنقية الضمير (أو الأنا الأعلى) كسلطة داخلية أو رقيب نفسي على السلوك ويتم تطهير النفس وإبعادها عن الرغبات المحرمة واللا أخلاقية واللا اجتماعية ويستقيم سلوك الإنسان بعد أن تتبع السيئات الحسنات فتمحوها وقال تعالى: { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } وقال: { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي } . 2- استخدامات العلاج النفسي الديني: هذا ويمكن اليوم حسب ما أكدته لنا التجارب استخدام العلاج النفسي الديني في البلاد العربية والإسلامية، وبصفة خاصة والحالات التي يتضح أن أسبابها وأعراضها تتعلق بالسلوك الديني للمريض ، بالإضافة إلى الهذيانات الدينية نفسها بل في غالب الحالات فإن العلاج الديني يفيد كثيرا في نوبات القلق والوسواس والهستيريا وتوهم المرض أو داء المراق والخواف والرهاب والاضطرابات الانفعالية، ومشكلات الزواج وكل الصراعات الفتاكة المبنية على التكالب عن، ملذات دار الدنيا أو على الهرب في وضعية اليأس والانهيار النفسي، وخاصة الإدمان على الكحول الذي يحرمه الدين وحالات الاكتئاب والتشاؤم والمسالك الانتحارية المحرمة أيضا بتاتا في القرآن والحديث، وحتى الوضعية السيكوباتية التي هي مشهورة بشدة تأصلها وصعوبة علاجها. 3- قواعد التربية الدينية في الإسلام: هذا وإن التربية بمعناها الواسع تشمل عادة صفة من صفات التربية الدينية لاسيما في بلادنا العربية والإسلامية وهي منبثقة من المحيط الأطلسي سواء من الأبوين أو من المدرسة ، ذلك أن تربية الشخص تتضمن تقويمه ني حدود إطار أخلاقي للسلوك وإن القيم الروحية والأخلاقية المنبثقة من تعاليم الإسلام كثيرا ما تهدي الفرد إلى الاستقامة والسلوك السوي ولقد قيل " من يسلك بالاستقامة يسلك بالأمان " وفي كل الأحوال يبقى مشكل، سلوك الإنسان مرتبطا بمكارم أخلاقه إن الأخلاق ، المستمدة من الدين تنظم سلوك الإنسان وتهديه إلى الصراط المستقيم وتحاسبه إن هو أخطأ أو انحرف. وقال رسول الله r: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه: " نعم الحسب الخلق الحسن ". وحسن الأخلاق يتماشى مع الاستقرار النفسي وترضية الضمير والكف عن السباق نحو شهوات الدنيا وما ينتج عن ذلك من حسد وحقد وصراع بين الأشخاص وفي نفسيه الفرد بذاته. 4- شخصية المسلم واطمئنان النفس: ولو أردنا استعراض سمات شخصية المسلم كما حددها الدين لاستغرقنا في الحديث، طويلا فلنكتف ببعض نماذج تستخلص من كلام الله عز وجل وحديث رسوله حول سمات شخصية المسلم. 1- الإيمان بالقدر: قال تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون وهنا ينبغي أن يفسر هذا القول دوما بصفة إيجابية كحث على قبول المصائب بصدر رحب دون الالتجاء إلى مظاهر اليأس والوهن والانهيار أو دون الالتجاء إلى السلوك العدواني المعاكس أو التهجمات المفرطة التي لا يحمد عقباها، ودلا يعني ذلك الاستسلام بل العمل على أن نتعدى أمرنا ونقفز بعد ذلك إلى الأمام لنتغلب على الشدائد والمصائب. 2- مسئولية الاختيار: قال تعالى: { بل الإنسان على نفسه بصيرة } ، وهنا تتجلى حرية الفرد في اختيار مواقفه وسلوكه بكل دراية وهو هدف عديد من العلاجات النفسية المعاصرة. 3- طلب العلم: قال الله تعالى: (فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ) ، ويتضمن ذلك قابلية المؤمن للتوعية والإرشاد. 4- الصدق: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) والصدق فضيلة هامة جدا يرتكز عليها اطمئنان النفس إلى حد بعيد ، ويقاس به مدى انهيارها إذا خلفت ذلك، من ذلك أن بعض الأخصائيين في علم النفس الحديث قد اخترعوا ركائز لقياس مقدرة الفرد على الصدق والإخلاص استخبار الصدق لهنري باروخ . 5 - التسامح : قال الله تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه كأنه ولي حميم } ، والتسامح من الفضائل الهامة لاطمئنان النفس ونيل الارتياح . 6- الأمانة: قال تعالي: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) . 7- الرحمة : قال رسول الله r : " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وهذه الخصال الحميدة لها وزن كبير في سلوك الأفراد الأسوياء والمرضى في آن واحد، ولنذكر هنا بطاعة الوالدين والعناية بهما وبضرورة حسن معاملة الأولياء لأبنائهم ولذويهم على أسس المحبة والرحمة. 8- التعاون : قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ) وقال أيضا: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ، وقال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) وقال رسول الله r :" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وفي ذلك أعظم العبر وأسمى التعاليم للتوافق الأسري والاجتماعي الذي ترتكز عليه قواعد الصحة النفسية. 9- القناعة: وهي من أفضل الخصال البشرية التي تنهي عن التناطح العنيف نحو تحقيق السعادة المادية التي لا حد لها ، والتشبع بقيم التنافس القاسي الذي لا رحمة فيه لأحد والذي يتصف به من سوء الحظ عديد من مظاهر المجتمعات العصرية المرتكزة على قاعدة الاستهلاك شرقا وغربا، وقد ازدادت في هذه المجتمعات الأمراض النفسية في الكم والكيف كما هو معروف. أما القناعة فهي تعالج الاضطرابات النفسية الناجمة عن الحقد والغيرة وكراهية الغير المنافس، ومن جهة أخرى السلوك المنحرف الناتج عن الإحباط وما ينتج عنه من سوء التوافق الفردي مع الذات ومع الغير، وإن كان المسلم يحمد الله فليس لغرض غير. غرض السعادة الروحية والاطمئنان وقبول حالته بصدر رحب مع الملاحظ أن ذلك لا يعني الاستسلام والفشل والركود في الذل والخسارة والخصاصة بل إن القيم الأخلاقية الإسلامية تشجع كما هو معروف من جهة أخرى على الإقدام والإزعاج والابتكار لكن بدون أن تستعمل في ذلك وسائل القهر والعنف والحيل الظالمة والرذائل المكروهة بصفة عامة. 10- الصبر: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) (.... وبشر الصابرين )، ويا لها من عبرة فائقة في هذا الصدد حيث تتكاثر الأمثلة في مجال الطب النفسي التي تبرهن على أهمية الصبر والتحكم في النفس على هذا الأساس. 11- العفة: قال تعالى: ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) ومن هنا يتجنب الفرد الشر والرذائل على مختلف أنواعها. 12- القوة والصحة: قال رسول الله r : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. " وقال: " إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ". وفي ذلك تشجيع على تقوية النفس وتسييرها نحو الإقدام والشجاعة ومزيد من الفاعلية والتفاؤل للخير مستقبلا وكذلك بقصد تجنب كل بوادر اليأس والانهيار. هذا وينبغي للطبيب النفسي المسلم المعاصر أن يفهم كل هذه التعاليم والقيم في مظاهرها الإيجابية الفاضلة وفي غاية من الاتزان والاعتدال، ليتمكن من تحقيق التوافق النفسي والرقي البشري للفرد والجماعات في كل المجالات . ومن هنا نستخلص في آخر الأمر قوة مفعول العلاجات التقليدية النفسية التي تستعمل إلى يومنا هذا في كل الأقطار العربية الإسلامية في زوايا الأولياء الصالحين ، ومن طرف المعالجين التقليديين غير الأطباء الذين يبرهنون أحيانا على مهارة مدهشة وعلى تحكم دقيق في أساليب علاجاتهم الروحانية هذه بينما يعجز بعض الأطباء المحدثين، على أن هؤلاء المعالجين يتصفون أحيانا بالشعوذة والتدجيل من سوء الحظ وعلى الطبيب المعاصر الماهر أن يغربل ما بين الفضائل والرذائل وما بين اللب والقشور، ويستخلص من كل هذه الطرق العبرة والمفاهيم الصحيحة ليركز المريض على أساس إيجابي انطلاقا من اعتقاداته الأصلية وفي فائدته أولا وبالذات. الوقاية الدينية كن المرض النفسي: ومن ذلك كله يتجلى أن الإيمان كثيرا ما يكون العقيدة المثلى والسلوك الصالح لاستقرار الأنا واطمئنان النفس ، لكن السلوك الذي يخرج عن الدين أو بالعكس الذي يأخذ شكل العبادة المفرطة يصل أحيانا أمرا خطيرا قد يؤدي إلى الشذوذ والانحراف وإلى مشتبكات نفسية معقدة ومن ذلك ينبغي أن تتضمن الوقاية من المرض النفسي في البيئة العربية الإسلامية الاهتمام بالتربية الأخلاقية، وبتركيز القيم الدينية كدعامة للسلوك السوي وكشرط أساسي للتوافق النفسي والاجتماعي. والمعروف، أن الدين الإسلامي يوحي بالاهتمام بالحياة الدنيا والآخرة، وبإحداث توازن بين الملذات والماديات والأخلاقيات والروحانيات كي يتم التوافق النفسي. ولقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ". ولنختم كلامنا بقول الشيخ الرئيس ابن سينا الذي أشار إلى أن أنفع البر هي الصدقة وأزكى السر هو الاحتمال، وخير العمل ما صدر عن
خالص نية، وخير النية ما صدر عن الحكمة والفضائل وعن معرفة الله أول الأوائل.
منقووول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق